السياسة الجهوية
من أبرز الصعوبات التي تواجه البحث في مجال السياسية الجهوية، نجد إشكالية إعطاء تعريف جامع لهذا الحقل من الدراسة، لذلك سنحاول استعراض المفهوم من خلال الدلالات اللغوية، ثم التصورات الفقهية حول الموضوع ثم تمييز الجهوية عن بعض المفاهيم المتداخلة معها .
الماهية اللغوية والفقهية
يتحدد معنى الجهوية انطلاقا من مستويين أساسيين: مستوى لغوي ثم مستوى فقهي
الجهويــــــــــــــــة لغويــــــــــــــــا
من الناحية اللغوية، تعني الجهوية: لا مركزية سلطة سياسية، اقتصادية، إدارية لفائدة جهات"
أما موسوعة s فقد عرفت الجهوية: "ميل للرفع من تنمية الحياة والتنظيم الجهويين... من خلال وعي جماعة .... وطموحها في الانخراط في تسيير هذه المصالح
الجهوية فقهيا
للوقوف على مفهوم الجهوية من خلال الكتابات الأكاديمية نميز بين المفاهيم التي أوردها الفقه الغربي (أولا) ثم المغربي (ثانيا).
أولا: الجهوية في الفقه الغربي
إن ما يميز الدراسات التي اهتمت بالسياسات العامة، ومن ضمنها السياسة الجهوية، خاصة في فرنسا، هو غياب اتفاق حول مضمون أو حدود هذه السياسة فالانشغال كان في هذا المجال مزدوجا، فمن جهة أثيرت مسألة شرعية البحث عن سياسة جهوية قائمة الذات، ومن جهة ثانية إيجاد تعريف دقيق لهذه السياسة "فوجود السلطات المحلية لا يعني بالضرورة وجود سياسة محلية" ومرد معظم التحفظات أساسا إلى المركزية المفرطة التي ظلت تعرفها الدولة الفرنسية جراء التقاليد الثورية المتمحورة حول وحدة الأمة وسيادتها، وبالتالي حرصها الشديد على تدبير المجال والإشراف عليه، غير أن صدور تنظيم جهوي في فرنسا منذ بداية عقد الثمانينات (2مارس 1982)، قد سمح بفتح نقاشات سياسية وقانونية، وبالتالي التساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بعودة للمحلــــــــي
ومع ذلك بقيت الصفة المحلية تستمد مقوماتها من "طبيعة قانونية (على الأقل)، تحدد الوضعية القانونية لكل من السلطة المحلية والسلطة المركزية". لذلك ظلت السياسة الجهوية تكاد تنحصر في مجال إعداد التراب الذي تقوم به الدولة باستشارة مع جماعاتها المحلية، بحيث "نميز بين السياسة الجهوية بمعناها الواسع والذي يتطابق مع سياسة إعداد التراب أي كل السياسات التي تشتغل على تنظيم المجال (بنية تحتية، نقل، تعمير....) والسياسة الجهوية بمعناها الضيق، التي تقتصر على الأنشطة الهادفة إلى تفعيل التطور الاقتصادي للجهات
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الجهوية تجد أصولها التاريخية في التكوين السياسي للولايات ذات السلطات الهامة في مجال السياسات العامة على المستوى المحلي، فإن مفهوم الجهوية ارتبط أساسا بالتطور الاقتصادي الذي عرفته البلاد، الذي أنتج فوارق ملحوظة بين الشمال والجنوب الأمريكيين، ثم الحرص على الطابع الفيدرالي للدولة، مما سمح بعودة الاهتمام الفكري بالموضوع، وبالتالي أصبحت السياسة الجهوية هي الأصل بالنسبة لباقي السياسات العامة الأخرى.
أمام هذا التنوع والتفاوت في تصور مفهوم السياسة الجهوية، والذي يجد مصدره أساسا في التنوع الذي طبع التقاليد في مجال أنماط ووسائل تدبير المجال وحدود السلطة، انصب الاهتمام خصيصا حول إعطاء تصنيف يكون أرضية مقارباتية. يمكن إعطاء هذا التصنيف في مجال السياسة الجهوية حسب ثلاثة أنواع:
السياسات الجهوية التي تستهدف تقييم أجزاء من التراب الوطني حسب الموارد والإمكانات التي لم تستغل بعد (نموذج الأمازون).
السياسات الجهوية التي تسعى إلى تصنيف الفوارق بين الجهات لإعدادها للدخول في مرحلة التصنيع (نموذج جنوب إيطاليا)
السياسات الجهوية التي تتوخى تأمين التحولات التي تعرفها الجهات النامية والتي تعرف انتقال على مستوى نوع الأنشطة (نموذج إعادة إعداد (المراكز الحضرية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية، بعد ما تم إغلاق بعض المناجم فيها
وعموما يمكن التمييز بين تيارين رئيسيين في مجال الدراسات الغربية التي تناولت السياسة الجهوية:
المقاربة الأولى: وتركز على التأثيرات التي تمارسها العوامل السوسيو- اقتصادية كمحددات رئيسية للسياسات المحلية، وهو موقف وجد صدى كبير في الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف الستينات.
المقاربة الثانية: وتعد مختلفة جذريا عن سابقتها، حيث تم التركيز على البحث عن تفسير تغيرات السياسة المحلية داخل المتغيرات السياسية الكلية، بهدف دمج الانشغالات التقليدية لعلم السياسة داخل خطابات المنتخبين المحليين والجهويين لتقييم مدى قدرتهم على تحول المجرى الطبيعي للأمور العامة، أي علاقة السياسات الجهوية باللون السياسي للسلطة المحلية.
فالجهوية، إذن ليست رهانا بسيطا ينحصر في علاقة الدولة المركز بالوحدات المحلية الأخرى بل هو حقل صراعي لفاعلين متعددين بارزين أو ضمنيين، ففي فرنسا مثلا يعد نقل الجهة إلى جماعة محلية وتوسيع اختصاصاتها أمرا لم يحض دائما بقبول تام من طرف المنتخبين المحليين (على مستوى الجماعات لأنهم اعتبروا ذلك بمثابة إمكانية للمنافسة وزيادة في الرقابة
ثانيا: الجهوية في الفقه المغربي
أولى الملاحظات التي تثير الباحث في مجال السياسة الجهوية كما حاولت بلورتها بعض الكتابات المغربية هو نذرة هذه الأخيرة من جهة، وغياب الاهتمام بإعطاء تعاريف محددة ودقيقة من جهة ثانية.
و يرى بعض الباحثين، أن الجهوية "مجال ضروري لتحقيق الانسجام بين عدة وحدات ترابية في إطار من التكامل والتوازن، مع ما يفرضه المنطق المؤسساتي من تنظيم المراقبة من خلال مختلف أوجه الوصاية ومراقبة شرعية أنشطة الأجهزة اللامركزية، الشيء الذي يعتبر تصرفا مشروعا في اتجاه ضمان احترام مبدأ الوحدة"
فهذا التعريف، وإن كان يعطي للجهوية مفهوما أشمل من اللامركزية باعتبار الأولى إطارا للثانية، فإنه مع ذلك يشدد على مسألة الرقابة وهاجس الوحدة ومدى شرعية التصرفات، وهي عوامل أعاقت كثيرا تطور تبلور سياسة جهوية على مستوى التنظير، كما على مستوى الممارسة.
في حين اعتبر البعض الآخر الجهوية وبالإضافة إلى بعدها الديمقراطي قاعدة أساسية للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، فالجهة باعتبارها دائرة وظيفية هي مباشرة الأكثر استجابة للتقنيات الحديثة للعمل والتدخل الاقتصاديين.
تتجلى أهمية هذا التعريف في بعده الشمولي حول الجهوية، حسب مجالات تدخلاتها، فهي تتلخص وتتجاوز اللامركزية، إلا أن قصور هذا التعريف يتجلى أساسا في كون الأمر يتعلق بسياسة للدولة على مستوى الجهات أكثر مما يعني مستوى جديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة السياسية.
وعليه، فإن الفقه المغربي الذي تناول الجهوية لازال يعاني من تشوش في الرؤية حول إعطاء تعاريف جريئة للجهوية تتجاوز منطق القانون الإداري، وربما يعود ذلك أساسا إلى حداثة البحث في هذا المجال وانصراف أغلب الأطروحات السوسيو سياسة حول النسق السياسي المغربي إلى التركيز على قمة السلطة ومركزها، بدل الاهتمام بامتداداتها المجالية
ولعل ما يزيد من صعوبة إعطاء تعريف محدد للسياسة الجهوية سواء في الفكر الغربي أو المغربي، التداخل الذي لمسناه بين الجهوية ومفاهيم أخرى متداخلة معها، من قبيل: "اللامركزية"، "الفدرالية" و"الجهاتية".
من أبرز الصعوبات التي تواجه البحث في مجال السياسية الجهوية، نجد إشكالية إعطاء تعريف جامع لهذا الحقل من الدراسة، لذلك سنحاول استعراض المفهوم من خلال الدلالات اللغوية، ثم التصورات الفقهية حول الموضوع ثم تمييز الجهوية عن بعض المفاهيم المتداخلة معها .
الماهية اللغوية والفقهية
يتحدد معنى الجهوية انطلاقا من مستويين أساسيين: مستوى لغوي ثم مستوى فقهي
الجهويــــــــــــــــة لغويــــــــــــــــا
من الناحية اللغوية، تعني الجهوية: لا مركزية سلطة سياسية، اقتصادية، إدارية لفائدة جهات"
أما موسوعة s فقد عرفت الجهوية: "ميل للرفع من تنمية الحياة والتنظيم الجهويين... من خلال وعي جماعة .... وطموحها في الانخراط في تسيير هذه المصالح
الجهوية فقهيا
للوقوف على مفهوم الجهوية من خلال الكتابات الأكاديمية نميز بين المفاهيم التي أوردها الفقه الغربي (أولا) ثم المغربي (ثانيا).
أولا: الجهوية في الفقه الغربي
إن ما يميز الدراسات التي اهتمت بالسياسات العامة، ومن ضمنها السياسة الجهوية، خاصة في فرنسا، هو غياب اتفاق حول مضمون أو حدود هذه السياسة فالانشغال كان في هذا المجال مزدوجا، فمن جهة أثيرت مسألة شرعية البحث عن سياسة جهوية قائمة الذات، ومن جهة ثانية إيجاد تعريف دقيق لهذه السياسة "فوجود السلطات المحلية لا يعني بالضرورة وجود سياسة محلية" ومرد معظم التحفظات أساسا إلى المركزية المفرطة التي ظلت تعرفها الدولة الفرنسية جراء التقاليد الثورية المتمحورة حول وحدة الأمة وسيادتها، وبالتالي حرصها الشديد على تدبير المجال والإشراف عليه، غير أن صدور تنظيم جهوي في فرنسا منذ بداية عقد الثمانينات (2مارس 1982)، قد سمح بفتح نقاشات سياسية وقانونية، وبالتالي التساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بعودة للمحلــــــــي
ومع ذلك بقيت الصفة المحلية تستمد مقوماتها من "طبيعة قانونية (على الأقل)، تحدد الوضعية القانونية لكل من السلطة المحلية والسلطة المركزية". لذلك ظلت السياسة الجهوية تكاد تنحصر في مجال إعداد التراب الذي تقوم به الدولة باستشارة مع جماعاتها المحلية، بحيث "نميز بين السياسة الجهوية بمعناها الواسع والذي يتطابق مع سياسة إعداد التراب أي كل السياسات التي تشتغل على تنظيم المجال (بنية تحتية، نقل، تعمير....) والسياسة الجهوية بمعناها الضيق، التي تقتصر على الأنشطة الهادفة إلى تفعيل التطور الاقتصادي للجهات
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الجهوية تجد أصولها التاريخية في التكوين السياسي للولايات ذات السلطات الهامة في مجال السياسات العامة على المستوى المحلي، فإن مفهوم الجهوية ارتبط أساسا بالتطور الاقتصادي الذي عرفته البلاد، الذي أنتج فوارق ملحوظة بين الشمال والجنوب الأمريكيين، ثم الحرص على الطابع الفيدرالي للدولة، مما سمح بعودة الاهتمام الفكري بالموضوع، وبالتالي أصبحت السياسة الجهوية هي الأصل بالنسبة لباقي السياسات العامة الأخرى.
أمام هذا التنوع والتفاوت في تصور مفهوم السياسة الجهوية، والذي يجد مصدره أساسا في التنوع الذي طبع التقاليد في مجال أنماط ووسائل تدبير المجال وحدود السلطة، انصب الاهتمام خصيصا حول إعطاء تصنيف يكون أرضية مقارباتية. يمكن إعطاء هذا التصنيف في مجال السياسة الجهوية حسب ثلاثة أنواع:
السياسات الجهوية التي تستهدف تقييم أجزاء من التراب الوطني حسب الموارد والإمكانات التي لم تستغل بعد (نموذج الأمازون).
السياسات الجهوية التي تسعى إلى تصنيف الفوارق بين الجهات لإعدادها للدخول في مرحلة التصنيع (نموذج جنوب إيطاليا)
السياسات الجهوية التي تتوخى تأمين التحولات التي تعرفها الجهات النامية والتي تعرف انتقال على مستوى نوع الأنشطة (نموذج إعادة إعداد (المراكز الحضرية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية، بعد ما تم إغلاق بعض المناجم فيها
وعموما يمكن التمييز بين تيارين رئيسيين في مجال الدراسات الغربية التي تناولت السياسة الجهوية:
المقاربة الأولى: وتركز على التأثيرات التي تمارسها العوامل السوسيو- اقتصادية كمحددات رئيسية للسياسات المحلية، وهو موقف وجد صدى كبير في الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف الستينات.
المقاربة الثانية: وتعد مختلفة جذريا عن سابقتها، حيث تم التركيز على البحث عن تفسير تغيرات السياسة المحلية داخل المتغيرات السياسية الكلية، بهدف دمج الانشغالات التقليدية لعلم السياسة داخل خطابات المنتخبين المحليين والجهويين لتقييم مدى قدرتهم على تحول المجرى الطبيعي للأمور العامة، أي علاقة السياسات الجهوية باللون السياسي للسلطة المحلية.
فالجهوية، إذن ليست رهانا بسيطا ينحصر في علاقة الدولة المركز بالوحدات المحلية الأخرى بل هو حقل صراعي لفاعلين متعددين بارزين أو ضمنيين، ففي فرنسا مثلا يعد نقل الجهة إلى جماعة محلية وتوسيع اختصاصاتها أمرا لم يحض دائما بقبول تام من طرف المنتخبين المحليين (على مستوى الجماعات لأنهم اعتبروا ذلك بمثابة إمكانية للمنافسة وزيادة في الرقابة
ثانيا: الجهوية في الفقه المغربي
أولى الملاحظات التي تثير الباحث في مجال السياسة الجهوية كما حاولت بلورتها بعض الكتابات المغربية هو نذرة هذه الأخيرة من جهة، وغياب الاهتمام بإعطاء تعاريف محددة ودقيقة من جهة ثانية.
و يرى بعض الباحثين، أن الجهوية "مجال ضروري لتحقيق الانسجام بين عدة وحدات ترابية في إطار من التكامل والتوازن، مع ما يفرضه المنطق المؤسساتي من تنظيم المراقبة من خلال مختلف أوجه الوصاية ومراقبة شرعية أنشطة الأجهزة اللامركزية، الشيء الذي يعتبر تصرفا مشروعا في اتجاه ضمان احترام مبدأ الوحدة"
فهذا التعريف، وإن كان يعطي للجهوية مفهوما أشمل من اللامركزية باعتبار الأولى إطارا للثانية، فإنه مع ذلك يشدد على مسألة الرقابة وهاجس الوحدة ومدى شرعية التصرفات، وهي عوامل أعاقت كثيرا تطور تبلور سياسة جهوية على مستوى التنظير، كما على مستوى الممارسة.
في حين اعتبر البعض الآخر الجهوية وبالإضافة إلى بعدها الديمقراطي قاعدة أساسية للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، فالجهة باعتبارها دائرة وظيفية هي مباشرة الأكثر استجابة للتقنيات الحديثة للعمل والتدخل الاقتصاديين.
تتجلى أهمية هذا التعريف في بعده الشمولي حول الجهوية، حسب مجالات تدخلاتها، فهي تتلخص وتتجاوز اللامركزية، إلا أن قصور هذا التعريف يتجلى أساسا في كون الأمر يتعلق بسياسة للدولة على مستوى الجهات أكثر مما يعني مستوى جديدا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة السياسية.
وعليه، فإن الفقه المغربي الذي تناول الجهوية لازال يعاني من تشوش في الرؤية حول إعطاء تعاريف جريئة للجهوية تتجاوز منطق القانون الإداري، وربما يعود ذلك أساسا إلى حداثة البحث في هذا المجال وانصراف أغلب الأطروحات السوسيو سياسة حول النسق السياسي المغربي إلى التركيز على قمة السلطة ومركزها، بدل الاهتمام بامتداداتها المجالية
ولعل ما يزيد من صعوبة إعطاء تعريف محدد للسياسة الجهوية سواء في الفكر الغربي أو المغربي، التداخل الذي لمسناه بين الجهوية ومفاهيم أخرى متداخلة معها، من قبيل: "اللامركزية"، "الفدرالية" و"الجهاتية".